أيها الديمقراطيون ... لا تفرحوا ...

يقول بسمارك: "لا تحدثونا كثيراً عن الديمقراطية، هي باختصار عشر حمير يغلبون تسعة بسمارك"، الحمار العاشر من صنع ديمقراطيتنا... .
كيف نبني ديمقراطيتنا فوق ركام طائفي ومذهبي تسوده ثقافة السكين التي تعيد تشكيل الخرائط الديموغرافية والجغرافية هذه الأيام .
بعض الذين يمتدحون (الممارسة الديمقراطية) (وهذه تسمية غريبة – إذ كيف تمارس عملاً لا تتقنه)، هؤلاء لا يأخذون بعين الإعتبار سطوة "الميديا" التي أعادت تشكيل الرأي العام، ونجحت في محو الذاكرة وتغيير القناعات، بحيث لم يعد خيار الفرد حراً بل يخضع لهذه "الميديا" المعدة.
ولعل في تجربة (الديمقراطية المصرية – الجديدة) ما يشكل اليوم نموذجاً لكيفية سطوة "الميديا" على مجتمع يتحول بسرعة قياسية نحو الأصوليات والسلفيات بفعل ما قامت به "الميديا" وأزلام الزبائنية الفكرية والإعلامية والمالية، ممن تجندوا لخدمة إعادة برمجة قناعات أظهرت إمكانية ان تقود حيزاً كبيراً من الرأي العام وتجعله يثبت خيارات لست انت صانعها بل الآخرون.
في مجتمع متناقض طبقياً، تحكمه عشائريات وقبليات وتقاليد ومشارب وعقائد، وحتى عرقيات، كيف تبني ديمقراطية لا يملك الأفراد ثقافة ممارستها.
في مجتمع مازلنا نختلف فيه على الله والدين والمذهب، ونفوذ العائلة، كيف تبني ديمقراطية، في مجتمع تتحول فيه الأحزاب والتيارات الى (وكالات) نتبادل إمتلاكها عائلياً أو طائفياً أو مذهبياً، كيف نسوق للديمقراطية؟.
لقد خضعنا لسطوة الميديا التي وحدها القادرة على تصنيع واقعي للقناعات المعدة والتي لا تستند الى مجموعة قيم ومفاهيم.
لعل هنري ليفي يفاخر على مدى السنوات القليلة الماضية بما فعل، وهو بات المرشد الروحي لما يسمى الثورات العربية والقادر على وضع مصطلحاتها وتوصيفاتها.
على الشاشات المصرية يتناوب في هذه المرحلة رجال ملتحون بربطات عنق ملونة وهم يبشرون بالمستقبل القادم الذي برزت ملامحه مع إقتراب احدهم إما بإزالة الأهرامات لإنها (حالة وثنية صنمية) أو بتغطيتها بالرمال، فيما تحدث آخر عن إلغاء مفهوم السياحة المتداولة لصالح (السياحة الإسلامية).
خاضوا الإنتخابات في مصر بلا مشروعات حقيقية سوى مجموعة شعارات وكلاشيهات ذات طابع إسلامي موعود يخاطب (منطقة) الفراغ التي نشأت في الذاكرة المصرية اليومية التي كغيرها من الذاكرات العربية صارت بلا سقف. وتحت مرمى منظومة مؤثرات ربطت ما بين عناوين براقة مثل (الإصلاحات – الديموقراطية – حقوق الإنسان – مجتمع العدالة) وغير ذلك، وما بين حتمية تغيير رأس النظام، وعلى الأرض كانت القوى التي أعدت لهذه اللحظة تتموضع من اجل الإنقضاض على رأس السلطة، فيما نجحت الميديا المبرمجة في المنطقة، حيث ورث (المستحكمون) الجدد هذه السياسة التي حولت إيران عدواً، وجعلت مصر برأيها العام تنخرط في المعادلات الجديدة لقوى عربية سميت (بدول الإعتدال) والتي وجدت فرصة تاريخية في توجيه ضربة قاتلة لتاريخ مصر الحديث عندما وظفت ثلاث دول خليجية ما يزيد عن خمسة مليارات دولار ليس لتقديم مساعدات لدعم الإقتصاد المصري، بل (لشراء الذاكرة المصرية) ودعم القوى الأصولية والسلفية التي تورطت بدورها في مشروع تكامل أميركي – تركي لوراثة حيز من العالم العربي مقابل تنازلات تاريخية بدأت تتوضح معالمها وفق محورين:
- الأول: لا مواجهة مع السياسة الأميركية في المنطقة والإبقاء على سيطرة قوى الغرب على النفط العربي لثلاثة عقود متتالية.
- الثاني: لا حروب مع إسرائيل، ولا دعم لأي قوى تسعى لذلك.
القطريون دفعوا الحصة الأكبر لدعم الإخوان المسلمين والسلفيين، وهؤلاء إشتروا حاجة الشارع المصري للعيش وللتغيير، إستخدموا الشعار الديني و"الميديا الدينية"، والمال الديني، من خلال منظومة إجتماعية متكاملة ساعدت على ان يذهب 40 بالمئة من الرأي العام المصري باتجاه خيار هذه القوى التي لا تملك مشروعاً تغييرياً حقيقياً إلا ما تمّ الإعداد له في سياق ما يرتب للمنطقة.
السلفيون سيحكمون مصر وعلى عكس ما يتوهم البعض، سيتمكن هؤلاء من إستدراج شريحة كبيرة من الإخوان باتجاه مواقعهم في وقت ستشهد فيه مصر حالة من اللاتوازن سياسياً وإقتصادياً وأمنياً، مما سيعطل تماماً دور هذا البلد، وهو ما سعت اليه قطر تحديداً وفق ما هو مرسوم لذلك ، وقد نجد أنفسنا أمام حتمية إنقلاب عسكري ربما سيكون دموياً لوضع حد لما ستؤول اليه مصر تحت قبضة هذه القوى وإلا فإن البديل هو (الفوضى) التي ستعم هذا البلد في وقت سيضطر فيه الأقباط الى رفع الصوت للحصول على ضمانات دولية معينة قد تساعد ربما على إمتلاك نوع من حكم ذاتي برعاية دولية.
وإذا كان الوضع في ليبيا يختلف عما هو عليه في مصر، فإن ما خطط لسورية ربما يقارب السيناريو المصري ليس فقط في السعي لضرب الجيش، بل في تعميم الفوضى المستندة على تقاتل طائفي ومذهبي وديموغرافي له في سورية تأثيره الأخطر، لأنه سيترك شظاياه تتوزع باتجاه العراق ولبنان، فيما تتأهب تركيا لدور مباشر على الأرض في حال نجح المراهنون على تغيير النظام، وهو ما يكتشف المراهنون على ذلك بأنه بات مستحيلاً.
لا ديمقراطية مع سلفية تفرض منظومة متوازنة من مفاهيم تتناقض والديمقراطية الحديثة، ولا ديمقراطية بلا ثقافة ممارسة، ولا ديمقراطية في ظل (هيمنة دينية) مهما تجملت وإدعت وسعت لأن تمارس إبتسامات عبر شاشات تسعى لبلورة هذه القوى.
لا ديمقراطية مع طائفيين، وإن سعى بعض أزلام (الزبائنية) المالية والفكرية لتبرير قناعاتها بأنها قناعات واقعية كون الحيز الأكبر من الرأي العام هو من أفرز هذه المعادلة.
لا يمكن ان تقنعني وان تملك سطوة إعلامية كاملة وأنا أفقدها بإجراء إنتخابات تبدو وكأنها تحصل في غرفة لسوق تداول العملات، ولا يمكن ان نفهم ما جرى بأنه حراك ديمقراطي شعبي نظيف وسليم، في وقت ظهرت فيه القناعات على انها تتناقض ومفهوم الثورة والحراك الجماهيري الصحي.
لا يمكن ان نقبل بأن قوات الناتو التي تسلح جماعات سلفية وأصولية فعلت كل ما فعلت لكي تنتج ديمقراطية في ليبيا، مهما تفنن الليبيون الجدد في وضع العناوين من مجالس وحكومة جديدة، وإجراء إنتخابات على غرار ما جرى في تونس مثلاً التي تباهى الغنوشي بأنه غير معني بفلسطين الآن، وانه لم يكن ضد أميركا وسياستها يوماً.
لا ديمقراطية دون ان ترتبط هذه الديمقراطية الموعودة بمنطق الصراع مع "إسرائيل" ولا عبر الإبتعاد عن الإنتماء القومي والوطني بعد ان نجحت "ميديا" (النعم النفطية) بإبراز (الشوفينية) الضيقة كبديل عن هذا الإنتماء.
كيف يمكن لسلفي مهما تجمل ان يقنعني انه ديمقراطي ويقبل بالآخر، فيما هو يحمل سكيناً!...
كيف يمكن لأصولي أن يحدثنا عن الديمقراطية الموعودة وهو يقول "نعود للشريعة كي تحكم ما إذا كانت المرأة المصرية يجب ان ترتدي حجاباً أم لا)... .
الديموقراطيون الجدد جاؤوا... وألف رحمة على العسكر... ليس لأنهم أرحم رغم كل ما فعلوا، بل لأنهم على الأقل... لم يتطيّفوا... وكانت فلسطين حاضرة ولو كشعار أو أغنية أو مصطلح... .
ألم يفاجىء أحد المصريين في مهرجان حصل في القاهرة احد الخطباء من السلفيين عندما سأله "أنت تتحدث منذ ساعتين لكنك لم تشر ولو بكلمة الى "إسرائيل"!... . نذكركم أيها السادة بــ"اسرائيل"!... .
لا تفرحوا أيها الديمقراطيون... بالديمقراطية الجديدة... .
إسألوا أحد خطباء المسجد المصري وهو يقول "ألا لعنة الله على الكفرة ممن لا يتركون ذقونهم كما أمر الله!... . 
رفيق نصر الله

بقلم بقلم رئيس التحرير 12/16/2011 10:38:00 م. قسم . You can أكتب تعليقا لاتقرأ وترحلRSS 2.0

فيديو الاسبوع

إخترنا لكم

2010 BlogNews Magazine. All Rights Reserved. - /تعريب وتطوير/شباب من أجل الجزائر