مقال جميل للرائع سامي كليب عن خفايا لقاء السيد الرئيس بشار الاسد مع المبعوث الدولي كوفي أنان....

الأزمة السورية تتصاعد عنفاً بانتظار لقاء بوتين وأوباما || الأسد لأنان: السيادة أولاً ... وواجبي القضاء على المسلحين ذهب المبعوث الدولي كوفي أنان إلى دمشق ليأخذ تعهداً جديداً من الرئيس السوري بشار الأسد يساعده في مهمته، فخرج بنتيجة مفادها أن بشار الأسد متشدد أكثر من أي وقت مضى ومتمسك بـ«السيادة الوطنية»، وعازم على المضي في المعركة العسكرية حتى القضاء على آخر مسلح ما لم يسلم سلاحه، وأن لا تفاوض ولا حوار سوى مع «الذين يملكون عقلا»، لا أولئك الحاملين السلاح. كان أنان قد وصل إلى دمشق على سجادة دولية حمراء. العالم كله يدين مجزرة الحولة. المجلس الوطني السوري يطالب بتنفيذ البند السابع. دول الخليج تتنادى لعقد اجتماع بغية اتخاذ إجراءات أقسى ضد النظام السوري. اعتقد المبعوث الدولي مرة أخرى انه سيجد الرئيس السوري أضعف من السابق وبانتظار خشبة الخلاص. خاب ظنه. هذا بالضبط ما جعله يقول خلال اللقاء ثم بعده إن مجزرة الحولة «قد تغير مجرى الأحداث في سوريا». وما أن انتهى اللقاء حتى كانت العواصم الغربية قد باشرت بطرد السفراء السوريين عندها. لا تتعاطى سوريا مع أنان على أنه مبعوث دولي وعربي، فهي نزعت عنه أي تكليف عربي. تخاطبه وسائل إعلامها على أنه «مبعوث دولي» فقط. في هذا شيء من تفكير الأسد بمهمة أنان. يعتبر الرئيس السوري أن الصراع في سوريا وعليها هو صراع دولي ومحلي، ينظر إلى الدول الأخرى وخصوصا الإقليمية منها، وتحديداً التركية والقطرية وبعض الأجنحة السعودية (وليس الملك) على أنها تمارس دوراً انتهازياً. سمع كوفي أنان شيئاً من هذا القبيل خلال اللقاء، وسمع أيضاً أن المطلوب من المبعوث الدولي الضغط على بعض الدول الإقليمية التي تسلح وتدفع أموالاً، وأن يبحث عن الحل السياسي في سوريا وعلى المستوى الدولي وليس مع الدول الإقليمية. ثمة توازن دقيق في هذه اللعبة الدولية يصل حالياً إلى ذروته حيال الأزمة السورية. تلوح مؤشرات اتفاق بين واشنطن وموسكو على عدم التدخل العسكري. رضخت الإدارة الأميركية للمشيئة الروسية في هذا المجال. قال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني إن واشنطن لا تعتقد بأن التدخل العسكري في سوريا أمر صائب في الوقت الحالي، لأنه سيؤدي إلى مزيد من الفوضى والمذابح. كلام دقيق جداً، وأما ما أضيف إليه من أن واشنطن لا تستبعد أي خيار بما في ذلك العسكري، فهذا فقط للديكور، يشبه تماماً ديكور ما قاله الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند من عدم استبعاد التدخل العسكري شرط أن يتم ذلك عبر قرار من مجلس الأمن. الأساس بالنسبة لواشنطن ولفرنسا الاشتراكية هو الحل السياسي القاضي بتنحي الأسد على الطريقة اليمنية أو ربما أفضل منها بقليل. تدرك واشنطن وباريس أن الروس والصينيين لن يقبلوا بتدخل عسكري مهما حصل. مجزرة الحولة مفصلية بالنسبة لأنان والغرب، بينما هي بالنسبة لموسكو وبكين تفصيل في الخيار الاستراتيجي الأكبر. وعند السلطات السورية أصلاً ملفها الخاص عن المجزرة، ويبدو انه سيحمل عدداً من المفاجآت. لم يكن مفاجئاً، إذاً، أن تصدر الخارجية الروسية أمس بياناً رسمياً تؤكد فيه أن «موسكو لن تسمح لمجلس الأمن بالتفويض لتدخل عسكري في سوريا»، ثم تتبعها الخارجية الصينية بعد دقائق لتقول إنها تكرر معارضتها للتدخل العسكري في الأزمة السورية. هذه واحدة من مآسي المعارضات السوريات المستمرة على تشتتها. ثمة معارضة ترفض التدخل العسكري منذ البداية وتحمِّل «المجلس الوطني» مسؤولية التورط فيها (منها مثلا هيئة التنسيق)، وثمة معارضة أخرى، وفي مقدمها المجلس نفسه، تبدي يأساً شديداً من احتمالات التدخل العسكري ويصل الأمر بقادة المجلس للقول إنهم سيقاتلون على نحو منفرد، طالما تخلى العالم عن دعم المسلحين والسلاح. وهذا ما يفسر إعلان المجلس الانسحاب من خطة أنان. يستند الأسد إلى هذين الموقفين، الروسي أولاً والصيني ثانياً، تماماً كما يستند إلى الدعم الإيراني، والى استمرار الجيش موحداً، ليقول لكوفي أنان في خلال اللقاء: «نحن نقبل الحوار مع من يملك عقلاً، أما من يحمل السلاح ويمارس الإرهاب فلا حوار ولا هوادة معه». لعله قال أيضاً إن «الجيش وقوى الأمن سيقتلون كل من يحمل سلاحاً أو يمارس الإرهاب»، لأن من «واجب الدول حماية مواطنيها». ذهب كوفي أنان إلى دمشق يسأل الأسد عما فعله لتطبيق خطة المبعوث الدولي وخصوصاً لجهة وقف العنف، فسأله الأسد «ماذا فعلت أنت أولاً لوقف العنف، فخطتك تقضي بوقف الإرهاب ووقف العنف وسحب المسلحين، ولكن الإرهاب ازداد والسلاح كثر». جرى نقاش مستفيض حول آليات عمل كوفي أنان. يعيب السوريون على البعوث الدولي أن خطته خالية من «آليات التنفيذ»، يقول الأسد لكوفي أنان مثلا: «إن الدول الغربية تسارع إلى فرض عقوبات وإصدار مواقف ومضاعفة الضغوط علينا حين تظن بأننا لم نلتزم بأحد بنود الخطة، ولكن ما هي آلياتك للضغط على الآخرين، أي على المسلحين والإرهابيين». ثم هناك مشكلة أخرى استعرضها الأسد أمام ضيفه والوفد المرافق: لا يمكن تجزئة خطة أنان، فهي سلة واحدة، فكيف إذاً تستمر الضغوط لإطلاق سراح كافة المعتقلين ولا يحصل أي شيء لوقف السلاح والمسلحين. شرح الرئيس السوري لأنان أن مئات المعتقلين الذين أطلق سراحهم، هم معروفون من قبل الشارع السوري وفي جوار أماكن سكنهم، فكيف ستكون ردة فعل هذا الشارع لو استمر إطلاق سراح الآخرين ولم يتحقق أي شيء آخر من الخطة الدولية لوقف السلاح والإرهابيين. ثم ماذا يعني أن يأتي أنان فقط إلى سوريا، ولا يذهب إلى دول جاهرت في إعلان دعمها للسلاح والمسلحين، أو أنها تدعمهم في وضح النهار، من تركيا إلى قطر وبعض الأطراف السعودية والخليجية. صحيح أن الأسد لا يتعامل مع هذه الدول الإقليمية على أنها صاحبة تأثير كبير في المعادلات السياسية الكبرى، ولكنه يعتبر أن دورها الأمني يجب أن يتوقف إذا ما أريد لخطة أنان أن تنجح. كان أنان يستمع إلى الأسد، وفي بعض المرات يهز برأسه موافقاً. يدرك هذا الديبلوماسي الغاني العريق، ابن الرابعة والسبعين عاماً، أن مهمته معقدة جداً. صحيح انه يحمِّل النظام السوري جزءاً كبيراً من مسؤولية الوضع الأمني، إلا انه بدا في هذا اللقاء متفهماً لجزء لا بأس به من طروحات الأسد. هو يعرف تماما أن مهمته لم توضع إلا لحفظ ماء الوجه، والدول المؤثرة قد تستجيب لدعواته المتكررة. شرح أكثر من مرة للسوريين بأنه اتصل بأكثر من دولة من تلك التي لها تأثير على السلاح والمسلحين، ولكن النتيجة لا تزال شبه معدومة. كرر كوفي أنان أكثر من مرة ضرورة وقف العنف وتطبيق الجانب الأمني من المبادرة الدولية، فكان الجواب إن «الدولة تقوم بواجبها لحماية مواطنيها، وإنها ستستمر بحمايتهم، لأن هذا واجبنا، ولأن هذا الواجب يتم تطبيقه وفقاً للقانون فليتم البحث إذاً عمن يخرق القانون والدستور، وعمن يقتل ويروع ويذبح المواطنين». يبدو أن أنان أبدى تفهمه عند هذه النقطة. تعمد الرئيس السوري التشديد في اللقاء على مسألة «السيادة». يدرك أن هذه نقطة مفصلية في أي تسوية مقبلة. يعرف الأسد أيضاً أن الروس والصينيين موافقون معه تماماً على وجوب احترام السيادة السورية، وعلى ضرورة أن يكون الحل بين أيدي السوريين أنفسهم، حتى ولو اضطروا لمساعدة خارجية في مرحلة أولى. وكلما طرح أنان أمراً يتعلق بالوضع الأمني أو الحوار أو التسويات، كان الجواب المباشر أن الأسد موافق إذا لم يتناقض الأمر مع السيادة. منذ الانتخابات التشريعية الأخيرة، صارت القيادة السورية تنظر إلى مجلس الشعب على انه الساحة الفضلى للتفاوض ولتحديد المستقبل السياسي للبلاد. وكلما اشتد الصراع المسلح على الأرض، كلما ازدادت هذه القيادة قناعة بأن سبل الحوار مع معارضة، على غرار المجلس الوطني، قد انعدمت تماماً. لا بل قد تكون السبل انعدمت أيضاً مع الكثير من أطراف المعارضة الخارجية، خصوصاً أن النظام يرى أن هذه المعارضة بقيت شبه صامته حيال التفجيرات الإرهابية. قال كوفي أنان إنه لا بد من النظر إلى الإطار الدولي الخطير الآن حيال سوريا. يعتقد المبعوث الدولي أن مجزرة الحولة قد تغير مجرى الأحداث. يعرف أنان الأسد جيداً، لا بل ثمة ود قديم ومتجدد بين الرجلين، لكنه قد يكون هذه المرة رأى الأسد أكثر تصلباً من أي وقت مضى. مر الكلام مروراً عابراً على مجزرة الحولة. جرى الحديث عنها مرة واحدة. لكن الأهم هو أن أنان سمع كلاماً مباشرة وواضحاً مفاده أن من يفكر بإسقاط النظام هو واهم، وأن الدولة حازمة اليوم أكثر من أي وقت مضى، وأن المعركة مستمرة حتى إنهاء آخر مسلح ما لم يرم سلاحه، وأن على الغرب التخلي عن أوهامه. لا يغلق الرئيس السوري بابه للحوار. يعرف أن ثمة أطرافاً في المعارضة، خصوصاً في الداخل، وربما جزء بسيط من الخارج يمكن التوصل معه إلى قواسم مشتركة، لكنه في اللقاء قال كلاماً لكوفي أنان يفهم منه الكثير. قال: «نحن نحاور من يملك عقلاً لا من يحمل السلاح». من الذي يحدد من يملك عقلاً في الوضع السوري المعقد حالياً؟ وكيف يمكن إيجاد صيغة توفيقية بين المجلس النيابي الذي باتت السلطة التنفيذية تعتبره جامعاً لمختلف أطياف المجتمع، وبين القبول بمعارضة للحوار من خارج المجلس؟ يبدو المشهد السوري أكثر تعقيداً من أي وقت مضى. ثمة شعور لدى القيادة السورية يناقض كل الواقع على الأرض. تبدو القيادة حازمة في خياراتها الأمنية، وتبدو خصوصاً واثقة من أن ثمة تحولات دولية، ستصب عاجلاً أم آجلاً، في سياق تسوية يكون للنظام فيها الدور الأبرز. ذهب كوفي أنان إلى دمشق يطلب شيئاً ليقوله بعد اللقاء، فلم يجد عند الأسد أي هدية جديدة. وإنما وجد رأياً يقول: إن «أردت لمهمتك أن تنجح فعليك أن تمارس ضغوطاً على الجميع، وتقنع المجتمع الدولي بممارسة الضغوط على الجميع، وخصوصاً لوقف العنف والسلاح». أمام تراجع الغرب عن فكرة أي تدخل عسكري، وبانتظار ما ستسفر عنه المفاوضات بين إيران والغرب، ثمة رهانان متناقضان ينتظران الأزمة السورية: رهان يقول إن الغرب سينجح في إقناع موسكو، وخصوصاً خلال لقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي باراك أوباما في قمة العشرين المقبلة في المكسيك في 18 و19 حزيران بضرورة تنحي الرئيس الأسد سلمياً عن السلطة حتى ولو بقي النظام. ورهان آخر يؤكد أن موسكو متمسكة بموقفها القائل إن على السوريين أنفسهم أن يحددوا مستقبل نظامهم. وقد درجت القيادة الروسية حتى الآن على الإشادة بكل الخطوات السياسية للرئيس السوري. موسكو بعثت برسالة قوية مساء أمس. قال متحدث باسم بوتين: «إن روسيا لا تنوي تغيير موقفها بشأن وضع سوريا». رفع الرئيس الروسي مجدداً مستوى التحدي قبل لقائه نظيره الأميركي. كل ما حصل حتى الآن من تصعيد في سوريا وجزء من التصعيد في لبنان، وتوترات سياسية في العراق، وارتفاع الحرارة في البحرين وغيرها، وبداية التقارب الجدي بين إيران والغرب، وما قد يضاف من توترات في عدد من هذه الدول لاحقاً، إنما يدور في سياق شد الحبال الدولي بانتظار صفقة معينة قد لا تحصل قبل الأسابيع الأخيرة للانتخابات الأميركية. وفي هذا الإطار يسعى الروس والأميركيون لتبادل رسائل التهدئة. من هذه الرسائل ما كشف عنه مستشار الرئيس الروسي للشؤون الخارجية يوري أوشاكوف حيث قال إن بوتين وأوباما تعهدا بمواصلة الجهود الرامية لتحسين العلاقات الثنائية، وسيوقعان اتفاقية بشأن التعاون المستقبلي في قمة مجموعة العشرين. هل هذا التعاون الثنائي سيشمل إيران وسوريا وغيرهما من بؤر التوتر بين الجانبين، أم يقتصر على الدرع الصاروخي؟ في مثل هذه القمم تحسم أمور كثيرة أو يحصل الخلاف الكبير. وفي حالتي الحسم أو الخلاف، لن تكون مهمة كوفي أنان أكثر من وسيلة لتمرير الوقت وحفظ ماء الوجه، ولا بد من توترات كثيرة قبل اللقاء الدولي الأكثر انتظاراً في الوقت الراهن. ايرفيه لادسو وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون عمليات حفظ السلام أوضح مسار الأمور في الفترة المقبلة. قال أمس في لقاء مع إعلاميين إن بعثة المراقبين نشرت أجهزة رصد ومراقبة لحركة القوات الحكومية بمساعدة من دول أجنبية، وأن خطة كوفي أنان هي الوحيدة المتاحة والمقبولة من الجميع، ولا بد من الإفادة من هذه الفرصة الأخيرة والدخول في حل سياسي للأزمة. وأن الحل في سوريا يتم عبر دعوة الطرفين إلى طاولة حوار ووقف العنف غير المعقول. ويبقى السؤال الأهم: هل أن واشنطن الداعمة لإسرائيل والراغبة في تهدئة حليفتها بالنسبة للموضوع الإيراني، تريد فعلا إيصال المعارضة إلى السلطة في سوريا، أم أن مصالح الدول ستتناقض مجدداً مع مصالح الشعوب؟ ولو أرادت ذلك فهل هي عاجزة حقاً عن جمع المعارضة؟ لعل الوضع الأمثل هو إضعاف النظام وإضعاف المعارضة على السواء، وستكون واشنطن جاهزة للتعامل مع من يصمد في نهاية المطاف بشروط ضعيفة تماماً، كما حصل في أكثر من دولة. لو ضعف النظام تكون أوراقها أقوى في التفاوض مع موسكو، ولو ضعفت المعارضة تبرر أي تحول مقبل في حال حصول تقارب مع الروس، أما لو ضعفت سوريا فهذا يخدم أكثر من طرف، حتى ولو غرق السوريون أكثر في حرب أهلية ضروس. لا مكان لدماء الشعوب في بازار المصالح الدولية.

بقلم بقلم رئيس التحرير 6/02/2012 12:25:00 م. قسم . You can أكتب تعليقا لاتقرأ وترحلRSS 2.0

فيديو الاسبوع

إخترنا لكم

2010 BlogNews Magazine. All Rights Reserved. - /تعريب وتطوير/شباب من أجل الجزائر