جرائم فرنسا بالجزائر تعود للواجهة

تتوالى الاعترافات "الإعلامية" الفرنسية بما يوصف في باريس بـ"أخطاء" تكون فرنسا الاستعمارية قد ارتكبتها في مستعمرتها السابقة الجزائر، وبعد الملف الذي أنجزته صحيفة لوموند الواسعة الانتشار عن "حرب الجزائر" وتأكيدها بأن بلادنا دفعت من أجل استقلالها ثمنا يقدر بعشرة أضعاف الثمن الذي دفعته فرنسا للبقاء بالجزائر، أنجزت يومية "لومانيتي" الفرنسية عددا خاصا لحرب التحرير الوطنية يحمل عنوان "الجزائر 50 سنة بعد الاستقلال"، وفي المقابل نلاحظ "تحايلا" سياسيا رسميا، حيث يتجنب الرئيس اليهودي لفرنسا، وبقية مسؤولي "فافا" الاعتراف بجرائم فرنسا بالجزائر بكل الطرق الممكنة. وجاء في افتتاحية صحيفة "لومانيتي" انه "بعد سنوات دامية جاءت هذه الحرب للاعلان عن نهاية الإمبراطورية الفرنسية ووهم استعماري وشعور بقوة جيش كان يؤمن باستمرار امكانية كبح تطلع الشعوب الى تقرير مصيرها" معتبرة انه "في ثنايا الذاكرتين الوطنيتين الجزائرية والفرنسية لا تزال النقاط الغامضة وأعمال العنف تعكر صفو العلاقات". واستطردت الصحيفة تقول أن "اليمين المتطرف الفرنسي يعمل على تاجيج الأحقاد ويطالب اليمين الكلاسيكي بتمجيد الاستعمار في حين يلزم البعض الآخر الصمت" معتبرة أن ""فهم هذه الحلقة التاريخية ضروري لإقامة علاقات بين ضفتي المتوسط وبين شعبين تربطهما آلام التاريخ". ومن جهته لاحظ المؤرخ بنيامين ستورا في حديث أن "هذه الحرب التي جندت لها فرنسا الاستعمارية امكانيات بشرية (625000 رجل) ومادية معتبرة كانت من أصعب الحروب التحريرية التي عرفتها فرنسا في ذلك القرن". وفي حديث آخر اعتبر هنري علاق مدير جريدة "آلجي ريبيبليكان" ومؤلف كتاب "السؤال" حول ممارسة التعذيب من طرف الجيش الفرنسي خلال حرب التحرير والذي كان هو أيضا ضحيته أن "فرنسا تزعم أمام العالم اجمع أنها تجسد حقوق الإنسان والحرية والأفكار التي انبثقت عن الثورة الفرنسية" ملمحا في ذلك إلى مبدأ الاعتراف بالتعذيب ك"جريمة حرب". كما أن يومية "لومانيتي" نشرت شهادات على غرار شهادة الرائد عز الدين القائد العسكري للولاية الرابعة التي تروي مساره كمناضل خلال حرب التحرير الوطني والذي تولى سنة 1962 مهمة فرض احترام وقف إطلاق النار واتفاقيات ايفيان وتفادي الرد على استفزازات منظمة الجيش السري. ومن جهتها اكدت المجاهدة زهرة ظريف بيطاط التي لعبت دورا فعالا في معركة الجزائر سنة 1957 قائلة " لقد حاربنا الاستعمار بشكل غير متكافئ من حيث السلاح" مشيرة في شهادتها الى ان "التمجيد الحالي لضباط جلادين يدل على التمييز العنصري العميق". واضافت تقول ان" تكريم الجلادين الذين تعاقبوا على مدى 132 سنة في الجزائر يعني رفض الاعتراف بنا كشعب وانكار النضال التي خضناه لتحرير انفسنا". ومن جهتها اعتبرت المجاهدة ايغيل لحريز التي تم توقيفها خلال كمين وتعرضت للتعذيب من طرف المظليين الفرنسيين انه من "الغريب رؤية فرنسا تدين ابادة الارمن فيما يبدو انها غير قادرة على الاعتراف بجرائمها في الجزائر". ونقلت جريدة لومانيتي شهادات اخرى منها شهادة مدير جريدة "لونوفال اوبسيرفاتور" جون دانيال الذي غطى حرب التحرير لحساب جريدة ليكسبريس . كما تم نشر قضية موريس اودان الذي كان مناضلا في الحزب الشيوعي الفرنسي والذي اختطفه المظليون الفرنسيون في هذا العدد خارج التسلسل الذي تاسف في مقال كرسه له انه " بعد اكثر من نصف قرن لا تزال الدولة الفرنسية تخفي الحقيقة حول اغتياله". وكرست اليومية مقالا للقمع الوحشي للمظاهرات السلمية للجزائريين يوم 17 اكتوبر 1961 مشيرا الى ان عدة مبادرات سمحت "باخراج هذه المجازر التي خلفت مئات القتلى والاف الجرحى من طي النسيان". كما تضمن هذا العدد خارج التسلسل عدة مقالات خصصت لروبورتاجات حول "العشرية السوداء" ومكافحة الارهاب واحلام وطموحات الشباب الجزائري وكذا مساهمات كتاب جزائريين على غرار اسيا جبار ورشيد بوجدرة بخصوص خمسينية استقلال الجزائر. هكذا "يتحايل" ساركوزي ومسؤولو فرنسا على الجزائريين يرى المؤرخ متخصص في موضوع الاستعمار في الجزائر جيل مانسيرون أن استعمال لفظ "الندم" من طرف المسؤولين الفرنسيين وفي مقدمتهم رئيس الدولة نيكولا ساركوزي في غير وقته ليس مجرد صدفة وإنما هي عبارة صار المسؤولون الفرنسيون يتداولونها ويضعونها حاجزا أمام كل من يطالب فرنسا بالاعتراف بجرائمها الاستعمارية، وكأنهم بذلك، بإيحاء من "كبيرهم" ساركوزي، يتحايلون على الجزائريين الذين يصرون على ضرورة اعتراف فرنسا بجرائمها في الجزائر والاعتذار عنها. وأكد مانسيرون خلال ندوة نشطها بالعاصمة الفرنسية باريس تحت عنوان (السير نحو الاستقلال: التعايشات الصعبة في الجزائر وفي فرنسا 1954 - 1962) بأن المسؤولين الفرنسيين صاروا يستعملون مؤخرا تعبير "الندم" حسب رغباتهم من أجل وضع حاجز أمام المطالبين باعتراف فرنسا رسميا بجرائمها في الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية وأضاف المؤرخ أن اختيار عبارة الندم في الخطاب الرئاسي يهدف إلى قدح أولئك الذين يطالبون بالاعتراف بالوقائع وإعادة دراسة نقدية لهذه الصفحة التاريخية على حد تعبيره حيث اعتبر تلك العبارة التي لم يطالب أحد من أوساط المؤرخين بتحديد مفهومها حسب تصريحه بمثابة حاجز وضعه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أمام المطالبين بالاعتراف الرسمي لدولته بجرائمها في الجزائر خلال فترة الاستعمار حيث لجأ ساركوزي إلى استعمال عبارة الندم في رسالة وجهها إلى المرحلين من الجزائر قرأها باسمه وزير الدفاع الفرنسي جيرار لونغي بمناسبة تدشين مركز التوثيق الخاص بفرنسيي الجزائر بباربينيون وأكد نيكولا ساركوزي في شهر جانفي الفارط أن سنة 2012 لن تكون سنة ندم معربا عن رفضه القطعي للتعبير عن ندم فرنسا حيث جاء في نص رسالته قوله: "أؤكد لكم أن سنة 2012 التي تصادف الذكرى الخمسين لنهاية حرب الجزائر ستكون سنة ذكرى وترحم وأكيد لن تكون سنة ندم" وأضاف مانسيرون انه ومع مرور خمسين سنة من استقلال الجزائر يبقى هناك عائق يعرقل بناء علاقات هادئة وطبيعية بين الشعبين الجزائري والفرنسي وبين الأمتين والدولتين وحدد المؤرخ المناهض للاستعمار هذا العائق برفض فرنسا وهيئاتها الاعتراف بوقائع الاستعمار كما أشار إلى التناقض البارز بين (مبدأ الاستعمار ومبادئ غير شرعية الحروب الاستكشافية وضرورة العيش بالنسبة للأمة) مضيفا أن حق الجنسيات كان معترفا به منذ القرن 19 وأوضح إلى جانب ذلك أن الخطاب الإيديولوجي السائد يعد مبررا لصالح نمط معين من الاستعمار الذي يقف أمام تجاوز المنازعات التاريخية على حد قوله مذكّرا بقانون 23 فيفري 2005 الذي مجد ما يسمى بالآثار الإيجابية للاستعمار وأضاف ضيف "منتدى فرنسا الجزائر" أن ذلك الخطاب قد كلّل بخسارة كبيرة والدليل على ذلك حسبما صرح به مانسيرون هي تلك الفرحة الكبيرة التي عبر عنها الجزائريون يوم نيلهم الاستقلال في 5 جويلية 1962. ومن الملاحظ أن السلطة الفرنسية صارت تميل في خطاباتها إلى تلك النزعة الاستعمارية القديمة في الآونة الأخيرة لتبقى الجزائر عاجزة إلى الآن عن الرد على ما يصلها من استفزازات فرنسية بخطوات جدية من شأنها ردع مثل هذه الخرجات التي يطل علينا بها ساركوزي بين الفينة والأخرى.

بقلم بقلم رئيس التحرير 3/03/2012 08:33:00 م. قسم . You can أكتب تعليقا لاتقرأ وترحلRSS 2.0

فيديو الاسبوع

إخترنا لكم

2010 BlogNews Magazine. All Rights Reserved. - /تعريب وتطوير/شباب من أجل الجزائر