قنوات فضائية عربية للإثارة الجنسية فقط!

في مراهقتنا، كنا نرتجف خجلاً وخوفاً، وتغيم عيوننا بأحلام شبابية، نحاول أن نداريها عن أعين أصدقائنا وأهلنا وعن زميلاتنا في المدارس أو بنات جيراننا، بإحساس من البساطة والطيبة وبعقلية شهامة الرجولة. الآن كثيراً ما تتشابه أفعال الشباب المراهق، بل وكثير من الرجال مع ما تكرّسه قنوات فضائية عربية عديدة، أي تتشابه مع أفعال ومشاهد هي أقرب إلى شهوانية وقحة ومعلنة، مرسخةً حالة من ذكورية مصطنعة "تغتصب" الأخريات حتى بالنظر، بدلاً من احترامهن كأخوات وزوجات وأمهات وزميلات دراسة. أموال طائلة تدفعها تلك القنوات لتكريس حالة من اللاوعي الجمعي عند أجيال الشباب العربي، بما يدعهم مرهونين دوماً لغرائز هي أقوى، بحكم الطبيعة البشرية، مدمنين على مشاهدة أجساد عارية لمغنيات تم اختراعهن قصداً، وتم تفصيلهن على مقاس رغبات مقموعة ومكبوتة عند جمهور المشاهدين لتلك القنوات. وأرى من الضروري جداً أن أشير إلى مجموعة أخطار تهددنا بسبب تلك القنوات: الخطر الأول: هو خطر "انقراضٍ" يهدد تراثنا العربي الموسيقي من موسيقا راقية كانت هي السائدة في فترات تاريخية قريبة، أي في سبعينات وثمانينات القرن الماضي، وهي تستحق بكل جدارة أن تكون محفوظة ومؤتمناً عليها من قبل الدولة، ومؤسسات التربية المدرسية، ومناهج الجامعات، وشركات الإنتاج الفني، بما يحميها من صدأ النسيان، ويضمن لشعب بأكمله أن يستمتع بها، وأن يربّي ذائقته الموسيقية عليها، بدلاً من أن تأكلها فئران الإهمال وأذكر للمقايسة أن ألمانيا كانت تحفَظُ أعمالَ الكاتب فرانز كافكا في مخابئ سريّة باعتبارها "كنزاً قومياً" لألمانيا. وعلى سبيل المثال (والأمثال للاستفادة): كانت إذاعة "صوت الجنوب" اللبنانية ذات الهوية الإسرائيلية، تبث يومياً في ساعات الصباح الأولى، أعمالاً نادرة من أغاني العملاقين وديع الصافي وفيروز، وعند الظهيرة وبتوقيت مدروس، تبث أغاني فولكلورية من التراث السوري والفلسطيني واللبناني والأردني، لتؤكد على إدراك دقيق بأهمية تلك الموسيقا في وجدان الناس في منطقتنا الشرقية، بما يجعل المستمعين ينتظرون تلك الأغاني، حتى لو أتتهم على قناة كانت تبث الحقد والعداء جهراً لدول عربية مجاورة. الخطر الثاني: هو أن أجيالاً كاملة بدأت تتشرب قيماً وثقافة مختلفة تماماً عما يجب أن تكون عليه حالنا وحال شبابنا وأطفالنا الذين يتسمّرون أمام الشاشات، يقلدون الرقصات الخليعة ويرددون كالببغاوات أنماطاً من الموسيقا الإيقاعية، غير مدركين أبداً نوعية كلمات الأغاني ومضامينها، وغير مقتنعين بأن ذاك الشكل من الفيديو كليب هو أقرب إلى "إثارة غرائز جنسية" معلنة، بدل أن تكون الصورة الفيلمية المرافقة للموسيقا هي صورة ذات قيم جمالية، وعناصر فنية تحرض ذكاءنا ودقة ملاحظتنا. الخطر الثالث: هو أن تلك القنوات تلبس لبوس الموسيقا والأغاني والفيديو كليب، أي أنها تدخل إلى عقولنا وأفكارنا من بوابة الأحاسيس التي لا يمكن مقاومتها، كون أرواحنا أساساً تتكون من الموسيقا ومن الإيقاعات، فباتت هذه القنوات، بقوة التكرار وبقوة أنها واقع يومي لا فكاك منه، تقنعنا بأن أصوات المغنين والمغنيات هي الأجمل، وهي ما يجب أن نعيدها في سهرات الأصدقاء، أو تعيدها النساء وهن في المطبخ أو يقمن بأعمال البيت.. أو حتى حين يجلسن إلى أطفالهن لتربيتهم. الخطر الرابع: هو أنه لا وجود لبدائل تليق بتراثنا الموسيقي وبثقافتنا العربية الأصيلة وبالمشاهدين الذين يرغبون ويتوقون إلى ما يخاطب عقولهم ومشاعر الحب الرقيقة في وجدانهم، إذ لم يفكر أصحاب رؤوس الأموال في استثمار أموالهم في خلق قنوات جادة، تنافس قنوات خليجية تصنع الفن على مقاسات أحلام أمرائها ورؤسائها التنفيذيين وحتى على مقاس "صاحبات" وخليلات مالكي تلك القنوات. وللمصادفة، التي ملأت قلبي بمزيد من القهر على حال الغناء العربي، حضرت برنامجين تلفزيونيين يدوران في فلك الموضوع، الأول: هو برنامج "للنشر" الذي قام فيه الإعلامي اللبناني (طوني خليفة)، رغم الانتقادات العنيفة التي وجهت إليه بأنه في عرضه للموضوع إنما يروّج له أيضاً، باستعراض إلى أي حدّ وصل انحطاط الأغاني العربية عند بعض المطربات والمطربين العرب أو كما وصفهم بـ "مغني النوادي الليلية"، إذ إن بعضهم وصلت به "الجرأة" علناً، ليستخدم كلمات من قبيل: "حسّسني إني رخيصة وضربني"، وهي "أغنية لطالب وطالبة جامعيين تم تصويرها داخل حرم إحدى الجامعات في لبنان." والبرنامج الثاني: هو "شرق غرب" على الفضائية السورية، التقت فيه المعدّة والمذيعة (لينا مباردي) أستاذ الغناء في معهد صلحي الوادي في دمشق فادي عطية، الذي حاول رغم برودة وجفاف الأسئلة، أن يضيء معاني كلمات سورية فولكلورية (شعبية) ربما لا يعرفها الكثير منّا رغم أننا نرددها في يومياتنا وأعراسنا وجلسات الأصدقاء، كلمات مثل: "دلعونا" وتعني بالآرامية "هيا لنتعاون"، وكلمة "أبو الزلف" أو "أم الزلف" والتي تعني المرأة ذات السوالف على جانبي الوجه، وكذلك المعنى الجمالي، الفلسفي، الوجودي لـ "الدبكة" والتي في رأي فادي عطية "هي دائرة مفتوحة النهاية على المطلق، وأن ضرب الأرجل بالأرض ما هو إلا دليل على ارتباط الإنسان السوري، ابن الحضارات القديمة/المتجددة بهذه الأرض." بعد قهري من مشاهدة قنوات الإغراء الجنسية- رغم أنني لا أدّعي الزهد والتنسّك- فرحت بالمعلومات التي قدمها الفنان السوري، وتمنيت على أصحاب رؤوس الأموال الوطنيين لو أنهم يهتمون بتراث سورية الموسيقي، لأنه في رأيي كنزٌ لايقل أهمية أبداً عن "حبيب قلبهم" الدولار، وعن حبيبات قلوبهم المغنيّات الراقصات، كما أن نتاج موسيقيينا الكبار وعمالقة الغناء العربي يستحق بكل تأكيد أن يُحفظ في "أرشيف وطني" لا يقل أهمية عن أي رصيد اقتصادي مثل القمح والماء؟

بقلم بقلم رئيس التحرير 2/21/2012 11:34:00 م. قسم . You can أكتب تعليقا لاتقرأ وترحلRSS 2.0

فيديو الاسبوع

إخترنا لكم

2010 BlogNews Magazine. All Rights Reserved. - /تعريب وتطوير/شباب من أجل الجزائر